أصدقاء القصة السورية  

الصفحة الرئيسية / خريطة الموقع / بحث / ضيوفنا / الكاتب / سجل الزوار / الثورة السورية 2011

 

 

 

 / أغاني وأشعار لآية / أعياد ميلاد آية / صور آية / الكتاب الذهبي

الرواية / القصة / المسرح / الشعر / الخاطرة / أدب الرسائل / المقالة / حكايات آية

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 08-08-10

       

نارين   (الحب الضائع)

       

اللقاء الأول

       

رواية بقلم: يحيى الصوفي

الجزء الأول: الفصّل الخامس

لقراءة التعليقات

  تحذير: هذه النصوص تخضع لقانون الحماية الفكرية ونحذر من نشرها في أي وسيلة إعلامية  دون اخذ إذن خاص من صاحب العلاقة.

 

 

 

 

 

 اللقاء الأول

 

لم تتمالك نارين نفسها من الفرح وقد حطت رحالها برفقة أختها هند في بيت صديقتها هناء، لتحظى بذلك بيوم عطلة ممتع وجميل برفقتها في مزرعة خالها الموعودة.

 

ها أنا ذا أخيرا مع أهله... تنهدت نارين وهي تتململ على كرسيها وقد أطلت برأسها من على الشرفة ترمق الشارع منتظرة كغيرها قدوم خالها زاهر بسيارته المغلقة ليقلهم جميعهم إلى مزرعته ...

وكأنها تحدث نفسها: (من يصدق بان هذا الشاب زاهر المليونير الصغير كما يسمونه ينتمي إلى هذه العائلة الوديعة البسيطة المفعمة بالمحبة والابتهاج... ليتني أستطيع أن أكون فردا من هذه العائلة الرائعة...ليتني...!.)

وبينما كانت شاردة في تأملاتها نكزتها أختها هند وهي تقول:

-هيا... لقد أتى... هيا.

 

نزلت نارين كجميع أفراد العائلة الطوابق الثلاثة قفزا وكأنها تتبارى إلى الوصول قبل الجميع لتجد نفسها وجها لوجه أمام زاهر... شاب وسيم وهادئ... يرحب بجميع أفراد عائلته بدون استثناء كبيرا كان أم صغيرا... وبمنتهى الوداعة كان يساعد الجميع في نقل حاجياتهم إلى داخل السيارة.

 

ولأنها لا ترغب أن يبدو عليها الحرج وقد تسمرت في مكانها وهي تسترق النظر إليه من طرف عينيها بذهول... اقتربت من المقعد الأمامي من السيارة لتلقي التحية على والدته وولديه وكأنها على علاقة قديمة وجيدة معهم... تبادلت التحيات وكلمات المجاملة بمنتهى السهولة، لتخفي بعضا من الاضطراب الذي أصابها... فلقد كانت تتخيله رزينا أكثر من هذا ورسميا واكبر سنا... تخيلته ربما كأخوالها صارما وجديا وهي في ذلك لديها الحق... أليس هو خال أيضا...!... ولم تكن لتتصور ولا للحظة واحدة بأنها ستجده هكذا بسيطا ووديعا... يلبس جينز ازرق وقميص اصفر من لون الشمس ويخفي عينيه بنظارات "ريبان" الشهيرة...!...هي لم تكتشف من ملامح وجهه أكثر من ابتسامته التي تكشفت عن أسنان بيضاء لامعة وهذه النظارات... كان يبدو لها كممثلين السينما... لا يشبه شباب هذه البلد... بل لقد كان مألوفا جدا لها ولهذا فهي استطاعت أن تتغلب بسهولة على الحرج الذي وجدت نفسها فيه وأخذت تشارك وكأي فرد من أفراد العائلة بترتيب الحوائج بالسيارة...ومما زادها اطمئنانا ترحيبه الشديد بها وبأختها هند وكأنه يعرفهم مسبقا ولم يعلق بتاتا على وجودهم مع العائلة أو انه ربما لا يعرف كل أفراد عائلته الكبيرة وظن أنهن منها بكل بساطة، أم انه معتاد على العائلة وضيوفهم... وكان يحرص على الجميع وكأنهم أولاده وهو يحذرهم وبمنتهى الهدوء بالابتعاد عن الباب لأنه سيغلقه وسينطلق..!

 

وما أن انطلقت السيارة تخترق شوارع المدينة باتجاه البساتين الحدود الطبيعية للمدينة، حتى بدأ الجميع بالتصفيق والغناء مشاركين بذلك أصوات الموسيقى المنبعثة من جهاز التسجيل في السيارة، فأدخلت كل هذا الهيصة والمرح سرورا عظيما إلى قلبها، ولكي لا تبدو غريبة عنهم فلقد شاركتهم تصفيقهم وغنائهم... حتى أنها لم تتوانى من إخراج "كاسيت" لأحد مطربيها المفضلين وهي تطلب مازحة أن يستمع الجميع إليه!. وقد سرها أن يتقبله زاهر منها شاكرا دون تردد، بل أبدى إعجابه بالمطرب وبصوته وبموسيقاه... وكان هذا بمثابة المكافئة التي كنت تنتظرها لتبدو مطمئنه وسعيدة وتشعر بنفسها حقا وكأنها كأي فرد من أفراد العائلة، فهذا يشجعها أكثر لكي تكون طبيعية جدا معهم.

 

   

***

 

لم تدم رحلتهم أكثر من عشر دقائق كانوا بالنسبة لها ثوان قليلة... وكانت تتمنى لو أن تطول أكثر فأكثر... ربما النهار كله!.

 

انتظر الجميع داخل السيارة ريثما ينزل زاهر ليفتح باب المزرعة الخارجي بنفسه ويسوق بهم إلى الداخل... حيث بدؤوا بالتدفق كل مع حوائجه. وذكرها هذا المنظر برحلات المدرسة عندما كانت بالإعدادية.

 

نزلت نارين مع أختها هند لكي تتبع الجميع نحو الحديقة وكانت تأمل عند وصولها حيث جلس الجميع أن تراه هناك فلم تجده...فكان يبدو عليها وكأنها قد أضاعت شيئا كانت تملكه... ثم جالت بنظرها الحديقة الغناء ببساطها الأخضر وأزهارها الجميلة والمسبح الصغير الذي يحتل إحدى أطرافها فلم تعثر عليه. وخيل إليها لوهلة بأنها رأت هذه الحديقة وبأنها قد زارتها يوما ما وجلست بها !. وكان ينتابها شعورا غريبا بأنها مألوفة لديها !. ولكي لا تلفت الأنظار إليها صاحت مازحة وهي توجه الحديث لهناء:

-هذا هو المسبح الذي سنسبح به؟.

 

هناء وهي تضحك:

-لا... وأشارت إلى الدرج المؤدي لأعلى "التيراس" والمسبح الكبير.

نارين صاعدة الدرج وهي تصيح من الفرح:

-ياي... هيا... هيا للسباحة

-لنأكل أولا.

-لا أنا أريد أن أسبح أولا...  هلا تدلينني على "المشلح" لأبدل ثيابي.

 

امتثلت هناء لطلب صديقتها وهي تقول:

-كيف وجدت خالي... أعجبك؟!.

 

نارين وقد امتقع وجهها بحمرة الخجل وهي تحاول أن تجيبها متصنعة عدم فهمها للسؤال ومدعية البلاهة:

-أين هو؟... هل أتى!؟... إذا أنا لا أستطيع السباحة!.

 

هناء وهي تضحك:

-لا لقد ذهب ليتفقد أشجار الفاكهة... فهو يعشقها ولن يأتي قبل ساعتين أو ثلاثة... ولكي لا تسبب لها حرجا أكثر تصنعت هي الأخرى بأنها اكتفت بجوابها فتركتها لتغير ملابسها وذهبت لتلتحق بالآخرين.

 

كان قد مضى قرابة الساعتين على غياب زاهر داخل المزرعة يتفقد أشجار الفاكهة فيقطف من كل نوع من الأنواع المتوفرة في فصل الصيف كالتفاح والأجاص والدراق وكذلك العنب وكما هي عادته عندما تجتمع عائلته... وكان يهتم بعد قطافها بغسلها وترتيبها في صوان كبيرة ويحضرها بنفسه. ولكي لا يسبب الحرج لضيوفه صاح مناديا هناء لتأخذ الفاكهة... فلم تتوانى هذه الأخيرة من تلبية طلبه وهي تقول:

-لا يوجد احد تفضل خالي لتجلس معنا... والدتك تريد أن تراك.

-وضيوفك ؟.

-أنهم يسبحون في الأعلى... لن تراهم ؟.

-وأنت الم تسبحي؟.

-لقد سبحت مع الجميع وانتهيت... لقد كانت المياه باردة جدا... ومنعشة !.

-والأولاد أين هم؟.

هناء وهي تضحك:

-مع ضيوفي يسبحون منذ تركتنا وهم في الماء لا يريدون الخروج... إنهم يستمتعون جدا باللعب معهم... وكأنها أرادت أن تشير إلى شيء مهم... صديقتي نارين تهوى اللعب في الماء ويبدو أنها استولت على اهتمامهم فهم يلعبون معها ويلازمونها كظلها وكأنهم على معرفة قديمة... لا يفارق أحداهما الآخر...

وهي تصر قالت:

-تفضل هيا.

***

 

وبينما كان يهم بالعبور بجانب جدار المسبح باتجاه الحديقة لاحظ نارين وقد تخفت خلف منشفة كبيرة وهي تهم بالقفز إلى الماء، فبدا عليه بعض من الضيق والحرج... لأنه لا يحب أن يلعب دور المتطفل الذي يضايق ضيوفه على حين غرة... ومع ذلك لم ينتبه إلى الغاية من إصرار العائلة له للانضمام إليهم... وما أن وصلهم حتى حياهم جميعا، فنادته والدته وهي تبتسم لأن يجلس إلى قربها.

 

فانقاد إليها طائعا وهو يقول والابتسامة لا تفارق وجهه:

-كيف الحال والدتي هل أنت مرتاحة؟.

-أجل الحمد لله بني... طالما أنت مبسوط ومرتاح...

ثم أضافت:

-أرأيت تلك الفتاة... صديقة هناء.

-اجل ما بها ؟.

 

انظر إليها كيف هي سعيدة مع ولديك...تلاعبهم ... إنها طفلة رائعة ومنذ أكثر من ساعتين وهم يلعبون ويسبحون سويا... الق نظرة عليها قبل أن تأتي.

-كيف هذا عيب !... أنا لا أريد أن أحرجها أو أن أضايقها وهي أمانة عندنا !؟.

-ليس هذا... أريد أن اعرف إن هي أعجبتك... انظر إليها... هاهي تصعد ثانية وتهم بالقفز في الماء.

 

زاهر وهو يلقي نظرة خاطفة:

-أرجوك والدتي إنها طفلة...!؟

 

-هكذا تبدو... لأنها كثيرة الحركة ومليئة بالحيوية... إنها تذكرني بنفسي عندما كنت في عمرها... وهي ليست صغيرة كما تظن... إنها في العشرين من العمر... وأظن وقد اتفقت مع ولديك وأحبوها فهي ستكون رفيقة وزوجة مناسبة... ما رأيك...؟

-ولكن نحن على موعد مع أهل الفتاة التي زرتها منذ أسبوع، وهي صغيرة ومتعلمة ورائعة الجمال... وقد أشعرتني باهتمام خاص بي... وانتبهت إلى أنها كانت تصر على أهلها بالموافقة السريعة وهي فرصة جيدة أن أجد فتاة متحمسة لي لهذا الحد...!؟

-ولكن لم ترى ولديك ولم تتعرف إليهم بعد... واعرف تماما بان موضوعهم يأتي بالمقدمة بالنسبة لك... ولطالما بدلت رأيك بأكثر من خطيبة لمجرد انك لم تشعر بالمحبة والوئام يغمر قلوبهم... أليس كذلك.

   

***

 

ثم تابعت دون أن تتيح لزاهر العثور علي عذر متصنعة عدم سماعه:

-وهي هذه معنا الآن وقد بدأت من حيث تحب... بالأولاد... ويبدو أنهم مولعون جدا بها فهي تلاعبهم كإخوتها وبدون تكلف.

 

-اجل خالي... وافق أرجوك... دعنا نفرح بك... فهي لطيفة جدا وحسب طلبك... دعنا نعرفكم ببعض... فلا شيء يلزمك... وهذه مناسبة جيدة الآن... كونها معنا.

-أليست هي الفتاة نفسها التي ذكرتم لي إياها منذ أكثر من عام... أظن بان والديها مطلقين... لا... لا... هذا خطأ فادح... أنا ابحث عن أهل لي وليس زوجة فقط... أهل يهتمون بي وبعائلتي ويغمرونني بالحنان ويعوضون علي سنين غربتي... لا... انسي الموضوع.

 

هناء مقاطعة:

-على العكس سيكون لك بدل بيت أحمى واحد بيتين... تسعد بهم!.

 

والدته مقاطعة وقد بدا عليها الغضب خوفا من أن تخسر ما قد بدأت به مع زاهر:

-لقد أخبرتكم أكثر من مرة بان لا تقاطعونني عندما أتحدث... ثم عادت موجهة الحديث إلى زاهر... تعرف إليها فقط فان لم تعجبك فكأن شيء لم يكن.

-لقد تذكرتها... هي ابنة الدكتور "شلهوب" أليس كذلك...؟.

 

هناء متدخلة مرة ثانية وكان تعليق خالها بداية موافقته:

-نعم هي... إنها ابنة عم خطيبتك السابقة.

 

زاهر بشيء من التوتر:

-لا... لقد أخبرتكم رأيي بالأمر... لا أريد أن اسمع بهم.

 

والدته محتدة وموجهة الحديث لهناء:

-قلت لك ألا تتدخلي بالأمر ولا تقاطعي حديثي... لقد بدا راضيا منذ قليل... ومن ثم اذهبي لتلتحقي بضيوفك... يبدو أنهم خرجوا من الماء... ربما يحتاجونك.

وهي تغمزها:

-هيا قومي إنها لابد تبحث عنك.

 

ثم تابعت موجهة الحديث لزاهر:

-الأمر ليس كما تظنه حبيبي، وعائلة الدكتور "شلهوب" تختلف تماما عن عائلة أخاه وهو أب متعلم وهادئ جدا... لم نراه إلا مبتسما ومن ثم هو متزوج من امرأة متفقة تماما مع أولاده فهم يحبونها كثيرا ويتسابقون فيما بينهم للعناية بها وتمشيط شعرها وهي أكثر من أم بالنسبة لهن فهن يحبونها كثيرا... أما عن والدتهن فيبدو وبعد إن عادت من المكسيك بعد زواجها الفاشل هناك قد تابت إلى الله وهي تتوشح الحجاب وتلبس الشراب السميك وتصلي وتقيم الليل ... وكما علمت فهي مريضة قليلا ولا احد يهتم لأمرها... ومن ثم هذا خير لك لأنك بذلك ستلقى العناية من بيتين... ولك بذلك عم وحماتين... وستدلل كثيرا.

   

زاهر وقد أصغى إلى والدته بشيء من الشرود:

-لم لا سأتعرف إليها... ماذا سأخسر... لاشيء ملزم لي بتاتا. ولكن هل هي على علم بأي شيء.

 

-نعم لقد تحدثت مع هناء... ويبدو أنها مغرمة بك وتريدك...حتى قبل أن تراك... وهاهي تغرم بطفليك... ماذا تريد أكثر... هي أم أهلها. ثم تابعت: عاملها بلطف أرجوك...هاهي قادمة...ولا تخجلني...

ثم استتلت وأساريرها تنم عن انتصار كبير... وهي تستقبل نارين:

-أهلا... أهلا حبيبتي...

وهي تقبلها:

-نعيما... تعالي إلى جانبي... تعالي !...

 

نارين وقد خانتها شجاعتها وشعرت حتى أنها لا تقوى على الوقوف... وقد وجدت بترحيب والدته شيئا من الموافقة على أمر تدبروه جيدا:

-سآتي حالما انتهي...

وهي تحاول إخفاء ارتباكها وتوجه الحديث إلى هناء:

-هل لديك شيء من كريم "النيفيا" من فضلك؟.

ثم تابعت وقد شعرت بأنها استعادت بعض من شجاعتها وهدوئها ووجدت منفذا للهروب من هذه المفاجئة:

-هيا سأتبعك لتحضرينها... ثم ذهبت خلف هناء وهي تقفز كعادتها.

 

-أرأيت كم هي وديعة وواثقة من نفسها وهي تحبنا كثيرا. ونحن نعرفها ونعرف أهلها منذ زمن بعيد...تربطنا بهم علاقة قربى.

 

لم يشأ زاهر أن يضايق والدته بسلبيته في هكذا أمر وهو يعرف جيدا بأنها آخر من يمكن أن يؤذيه... وبأنه يثق ثقة عمياء بمحبتها له ورغبتها بان تراه سعيدا ومنعما بالهدوء والسكينه. ولهذا فلقد حركت كلمات والدته فيه حبه المعروف للاستطلاع عن الفتاة التي يمكن أن يقترن بها يوما... ودون أن يثير أي كان أبدى بعض من الاهتمام بنارين. فبدأ يتبعها بنظراته... ويترصد حركاتها، فلم يجد بها أكثر من فتاة عادية جدا ولا يبدو عليها بأنها مضطربة من هكذا لقاء، بل على العكس بدت واثقة من نفسها... اجتماعية ولطيفة وتتصرف وكأنها فرد من العائلة، حتى إنها أعطت الانطباع لزاهر بأنه غير موجود بتاتا، أم هو موجود ولكن على معرفة مسبقة بها فلا شيء يثير الفضول أو الاستغراب!؟... لقد نجحت إذا في أن تثير اهتمامه دون أن تشعر بأنها تهتم به. وهذا عكس ما قد سمعه منذ قليل من والدته بأنها مغرمة به وتريده !.

 

وتساءل: (لابد إن والدتي تبالغ بالأمر فانا لم اشعر بتاتا بأنها مهتمة بي ...ثم تابع... على كل حال إذا كانت حقا على علم بأنني قد ارغب بالتعرف إليها لماذا إذا لم الحظ عليها إي توتر أو خجل كما كان يحدث مع كل الفتيات اللواتي التقيت بهن... هل يا ترى لم اثر اهتمامها بما يكفي؟... فلقد عبرت من أمامي وكأنني لست موجودا أصلا... حتى أنها لم تلق التحية!!!... ما هذه اللعبة التي يلعبونها بي ؟... لابد أن والدتي تريد بذلك إثارتي ومعرفة ردة فعلي قبل أن يفاتحاها بالأمر... أو ربما أرادوا من وراء تعريفيهم لي بها أن يضعونني أمام الأمر الواقع ليروا كيف سأتصرف ؟!... اجل...وما مجيئها المزرعة في هذا اليوم بالذات بمجرد صدفه بل هو أمر مدبر وفخ نصب لي ووقعت فيه بسهولة...)

ثم أدرك وكأنه عثر على جواب: (آه...اجل ... لقد نصبوا فخا لي وها أنا ذا أسير لعبتهم... وألا لماذا اهتم هكذا بها... نعم... أنني بدأت أفكر بكل هذه المسالة هو انتصار لهم. ولهذا علي بالإسراع بصرف اهتمامي الواضح والسريع بها إلى موضوع آخر... نعم ... موضوع آخر... أي موضوع كان، حتى لا أصبح مدعاة للسخرية، فأنا عاجز حتى من النظر إليهم أو توجيه الحديث لهم، لابد وإنهم انتبهوا لشرودي ذاك ولذلك فمن الأحسن أن أتابع قليلا هكذا.)

 

***

 

وكأنه يتأمل بأمر ما تساءل مع نفسه: (لما لا ابدأ بالسؤال عن الأولاد... ومن ثم أتفقد المسبح وبحيرة السمك... وأنظف أحواض الورد من الأعشاب... هكذا اصرف أنظارهم عني واستعيد بعضا من أنفاسي !!؟.)

 

ودون أن ينبس بأي حرف ناد على ولديه عامر ونادر:

-عامر... نادر... أين انتم تعالوا... هيا لنتفقد حوض السمك...

واتجه يسبقهم إلى بحيرة السمك وقد اخذ بيده بعض من فتاة الخبز لإطعامهم... وعند بحيرة السمك جلس يتأمل الأسماك الملونة تنساب في الماء بمنتهى الهدوء. وما أن وضع إصبعه وبدأ يحركها حتى تهافتت تلك السمكات وبمنتهى الأمان إليها لتلعقها كالعادة، فأخذ يداعبها وهو يحرك قطع الخبز بإصبعه يمينا وشمالا بشيء من المتعة والسرور... من ثم بدأ "بالتفقيش" بكلتا إصبعيه ليثيرها أكثر... وبنفس الوقت كان ينظر خلسة يمينا ويسارا وكأنه يستطلع طريقا للفرار... فوجد الجميع منشغلين بتناول الفاكهة وبتبادل النكات والأحاديث الظريفة، فتنفس الصعداء وتوجه إلى داخل المزرعة حيث أشجار الفاكهة ليتفقدها... وبينما هو يتحرى أشجاره تفاجأ بولديه يركضان إليه...

فصاح:

-هه... ماذا تفعلان هنا...؟     

 

أجابا سوية:

-نري نارين المزرعة وأشجار الفاكهة... إنها هنا برفقة هناء !!؟.

 

اضطرب زاهر قليلا لسماع هذا النبأ وهم بالخروج لو لم يستدعيه ضميره للتريث... وتساءل: (لما هذا التوتر والخوف... منذ قليل لم تعر هذه الفتاة أي اهتمام... لماذا أنت هكذا خائف من التعرف إليها ومواجهتها...؟ ... لماذا لا تتصرف كما كنت تتصرف مع الجميع بمنتهى الهدوء والثقة بالنفس، هل يا ترى أصابت مرمى من قلبك دونما تدري... وهكذا بسهولة.... لا...لا تكن سهلا... لا... لا أنا لست سهلا لكي أقع بغرام فتاة لم تكن حتى موجودة منذ قليل... ولكن ما يغيظني أنها لم تهتم لأمري... إنني شديد الثقة بأنني أثير الاهتمام... لم هي لا.... لابد أن استطلع الأمر لاقف على الحقيقة... لا... وان هي تحاشتك ولم تظهر أي من المودة لك... ماذا سيحل بكبريائك... ماذا ستصبح بنظر اهلك... مسخرة... لا... يجب أن تدع الأمور تجري هكذا من نفسها... دعهم يأتون إليك... دعهم يتملقونك... حافظ على هدوئك وكبريائك ولاتكن سهلا... ووضيعا هكذا...)

ثم استطرد متسائلا: (ولكن ما علاقة الكبرياء ؟!... أنها ضيفتي... وهي برفقة ابنة أختي لما لا أتصرف كمن لا يعلم شيئا وأرافقهم للتعرف على المزرعة كما كنت افعل مع الجميع... لا... هي ليست كالجميع... هي تثير الغيظ لأنها قد لا تهتم بأشجارك.... يبدو أنها حتى لا تشعر بوجود الأشجار... ألا تراها تتحدث مع هناء بأمور أخرى... بأحاديث النساء... يا لها من فارغة، الأحسن أن انصرف من هنا واترك الأمر كما هو على حاله، فانا لا أحب أن أتعرض للمهانة، خاصة إذا كانت تنتمي لفصيلة الجهلة التي تلوح بالموافقة على كل أمر اذكره دون اعتراض... لا... انتظر لماذا تتسرع هكذا بالحكم على الناس ؟... وماذا لو كانت حقا تهتم لك وتريد حقا التعرف إليك... وما انصرافها المفاجئ منذ قليل إلا لتخفي حرجها. ولم هي الآن هنا برفقة هناء... إن هي إلا محاولة للفت نظري ليتم التعارف بعيد عن الأنظار... لما هذا التردد... وهذا الخوف... وهذه الكبرياء.... كن طبيعيا واترك نفسك على هواها تتحدث... ألا تثق بنفسك ؟!... أنت الواثق دائما... الموهوب بالأحاديث الشيقة وبالكلام... هيا لن تخسر شيئا... هو مجرد تعارف لا أكثر!؟.)

ثم تابع متسائلا: ( وان تحول الأمر لأكثر من هذا... لا... لا أظن، فلا يوجد أي شيء مميز أو مثير بها !... إنها ككل الفتيات اللواتي التقي بهن في كل يوم، لاشيء يثير القلب لكي أخاف...! إذا لماذا أنا مضطرب هكذا ؟... ربما لأنني فقدت مهارتي بالمناورة وخرج عن سيطرتي حبي بأخذ المبادرة ففقدت بإهمالها لي بعضا من البريق الذي أحب أن أجد نفسي فيه... فهو عزائي...!...!؟.)

ثم ستتلى بشيء من الإصرار: (اخرج من هذه الحماقات وهذه الفلسفة التي لا طعم لها وانطلق باسما وهادئا كما أنت !.) 

 

***

 

وعلى هذا بدأ يلهي نفسه بمسح نظاراته فتسنى لنارين أن تخطف النظر نحوه لتتأمله وهو يقترب نحوهما فوجدته بعينيه الصغيرتين حنونا وخجولا على غير ما توقعت. ولم تستطع قراءة ما تبقى من وجهه لإعادته لنظاراته الملونة على عينيه وكأنه يخفي شيئا. وما إن وصل إليهم حتى أدى التحية وبادر سائلا هناء:

-هل أريتها المزرعة بالكامل... وهل أعجبتها الفاكهة على الأشجار!؟...

وقبل أن يستمع إلى الجواب وليزيد الألفة معها استطرد:

-أتعلمين كنت دائما أتمنى رؤية ثمار الفاكهة على الأشجار. وكنت أتساءل دائما وعندما أرى الفاكهة بالسوق كيف تكون هي عليها ولقد كنت سعيدا جدا أن أرى أشجاري تكبر كأطفالي... ثم تزهر... ثم تثمر... ومتعتي الكبرى أن أراها ها هنا على الشجرة ناضجة على أن أأكلها... هل تشاطرينني الرأي يا ترى ؟.

 

أجابت نارين ضاحكة:

-أنا يهمني أن أأكل الفاكهة التي أحبها من على الشجرة... من عند البائع... المهم إذا كنت أحبها فسألتهمها بغض النظر عن مصدرها !.

-تعليق ظريف وهل تذوقت التفاح من على الشجرة؟

-أنا أحبه اخضر. ولقد قطفت واحدة منذ قليل واكلتها...

وهي تضحك:

-ربما لم يتسنى لك أن تتأملها... يرحمها الله...!.

 

-هنيئا لك... أنت تشبهينني في ذلك أنا لا أأكل الفاكهة إلا من على الشجرة مباشرة. وما أود أن أأكله لا أتأمله... فالتأمل للتفاحة التي لا أستطيع أن أنالها... وغالبا ما تكون في أعلى الشجرة ولذلك فهي في مأمن عني...!.

-إذا هناك من يفلت من أسنانك !

-ولكن لن تفلت مما هو اشد وأبشع... خاصة عندما يكتمل نموها وتصبح ناضجة... وتكون فريسة سهلة للدبابير والحشرات... ومن ثم السقوط... ثم تابع وكأنه يلمز إلى شيء:

-فمن الأحسن لها أن تستمتع بلحظات شبابها الأول... بلمسات من يعشقها ويريدها !.

 

***

   

تدخلت هناء لتغير الموضوع قائلة:

-دعونا من حديث الفاكهة والأشجار ولنعرفكم على بعض أولا...

وهي تشير إلى خالها:

-زاهر... وهذه نارين...

-تشرفنا ... أهلا وسهلا... يبدو بأنك شديدة الفراسة وكلامك على لسانك...!.  

-أهلا... تخيلتك اكبر من هذا !... عندما حدثتني عنك هناء وقالت بأنك تبدو اقل من عمرك فقد أصابت أنت تبدو اقل عشر سنوات وتصرفاتك لا تدل على مركزك !.

-ما شاء الله يبدو انك تعرفين كل شيء عني ! ... الم تخبئ هناء إي شيء لي لكي أخبرك به !.

-لا خالي، لازال الكثير... فأنا لم اخبرها إلا بما اعرفه... ومالا اعرفه كثير... كثيرا جدا على ما أظن...!؟.

-لا يهم... طالما أخباري تعجبك وهي بيد أمينة... اسمعي...

وهو يحاول أن يضع يده بمنتهى الرقة على كتف نارين التي حاولت التخلص منه بأدب وهي تقول مقاطعة حديثه:

-لا تحاول هذا مرة ثانية فنحن لسنا في أوروبا، نحن في حمص ولنا عاداتنا وتقاليدنا وأنا لست أوروبية...!!!؟.

 

زاهر وقد بدت عليه المفاجئة:

-أنا متأسف جدا لم اقصد الإساءة... بل كنت أحاول أن ابعد الأغصان القاسية حتى لا تؤذيك!... وفعلت هذا خوفا عليك لا أكثر !...

ثم تابع وكأنه لا يريد أن يسمع جوابها وبمنتهى الثقة:

-في الحقيقة يبدو لي بأنك فتاة طيبة ولك جاذبية خاصة لم أتعرف إليها قبل أن أتحدث إليك.... وأنا وكما تعرفين... وربما قد أخبرتك هناء ابحث عن زوجة !!!.

 

ساد صمت مفاجئ قبل أن يتم حديثة قائلا:

-هل يهمك أن اطلب يدك... إذا كان الموضوع يهمك فلنجلس ونتحدث بالتفاصيل !.

 

وما إن انتهى من كلامه حتى كانت نارين في وضع لا يحسد عليه، فلقد تفاجئت به يحدثها مباشرة وبصراحة بطلبه. وقد كانت تتوقع أن تطول أحاديث اللمز والغمز وتبادل الآراء قبل أن يصل إلى هكذا طلب. ومفاجئتها تلك لم تأتي من كونها لا تتوقعه ولكن ليس بهذه الطريقة، فلقد افقدها الإثارة. وطعم الحب التي كانت تحلم أن تعيشه....؟. هكذا وبكلمة واحدة حول أحلامها يلقياه والتحدث إليه إلى جلسة عمل وتفاصيل وكانت تتمنى أن تتحدث إليه ويتحدث إليها بأي شيء إلا بالتفاصيل...؟؟؟. ( لما هو هكذا على عجلة...؟)

تساءلت نارين ثم استلت: (لا يهم فهو يعجبني أولا وثانيا أنا أحب الدخول بالتفاصيل لأطمئن عن وضعي ومستقبلي معه... ومن ثم يأتي الحب وتأتي المغامرة، فأمامنا الحياة كلها... لما لا إلى التفاصيل هيا....؟.)

خاطبت نفسها وقد اطمأنت نوعا ما لما أعطاها إياه عقلها من تفسير مريح لما وجدت نفسها فيه من إرباك...؟... فأجابت بعد أن تاهت ردها من الوقت مع نفسها تستشيرها:

-في الحقيقة لقد تفا جئت بذلك، رغم معرفتي بأنك تبحث عن فتاة للزواج ؟... ولكني لم أتوقع أن أكون المطلوب ولم أكن اعرف بان زيارتي للمزرعة ستتحول إلى طلب زواج... هذه خدعة من هناء...؟.

 

 

***

 

لم تجب هناء على تعليق نارين لأنها تعرف الحقيقة وهي غير ما تقول.

 

نارين متابعة:

-ولكن هذا فخر لي ولو إن القرار بيدي لما تأخرت ولكن هذا الأمر يعود لوالدي وعليك أن تفاتحهم بالأمر إن أردت...؟.

-ما يهمني رأيك أولا، ثانيا أريد أن اعرف هل تتعارض رغبتك مع رغبة والديك، أم هم يوافقون على ما تختارينه...؟.

-طبعا الرأي لي أولا... ولكن ولدي لهم رأيهم أيضا... وهم يوافقون إذا ما كنت راضية ولكن إن لم يرضوا فلا أستطيع أن اعترض على قرارهم فنحن في سوريا وليس في أوروبا....؟

-دعونا نجلس هاهنا قليلا.

 

وقد وصلوا إلى مقعد للراحة قريب من حوض السمك.

 

زاهر تفضلوا ثم تابع:

-أنا سأعرفك بنفسي باختصار وارجوا ألا تقاطعينني... ثم سأنتقل لكي انقل لك رغباتي التي أريدها في زوجتي وقبل أن اسمع جوابك أريدك أن تفكري جيدا وأنا لا أحب أن اسمعه مباشرة... أمامك أسبوع... فان وافقت واهلك عليه فلا عودة عنه وان لم توافقوا فكل في حال سبيله... وارجوا المعذرة لأنني مستعجل قليلا في إتمام زواجي قبل السفر أمامي شهر تقريبا ولهذا ارجوا أن تتبعينني بكل اهتمام... ولا تعتبري كلامي انتقاصا لك، فانا إن اتفقنا إن شاء الله رجل وفي إلى ابعد الحدود وحبي للتي سأقترن بها مضمون... وإسعادها سيكون شغلي الأول والأخير... ولهذا أنا هكذا مباشر وأحب أن انتقل إلى التفاصيل !.

 

هناء متدخلة:

-يعني خالي بأنه يحب الصراحة والصدق ولا يحب الثرثرة في أمور ناقشها سابقا.

 

نارين وقد شعرت ببعض العجز في فهم ما تحب أن تفهمه:

-ولكن أسبوع ؟ أليس بالمدة القصيرة لكي نتخذ هكذا قرار ؟.

 

-اسمعي نارين، أولا أنا شاب كما عرفت من هناء لدي ولدين، هم أغلى ما لدي. وان أنا تركت سويسرا وجئت إلى حمص معهم فانا أولا وأخيرا لكي احميهم وأحسن تربيتهم... وان أنا ابحث عن امرأة فانا لا ابحث عنها لذاتها. بل ابحث من خلالها عن صديقة وعشيقة وزوجة وأم... وعلى هذا فانا لا أحب المرأة التي تهتم بالمظاهر ويشغلها الناس وزياراتهم...؟.

 

نارين مقاطعة:

-انك تشبهني في هذا، فانا لا أحب قصص النسوان ولا أحب التصنع...!.

 

زاهر متابعا:

-وأنا إن أحببت الخروج فأحب الخروج برفقة زوجتي وعائلتي فلا سهرات للعازيين عندي ولا أصدقاء للعب الورق والثرثرة بحكايات الناس والمجون.

 

نارين مقاطعة للمرة الثانية:

-تشبهني في هذا أنا أحب أن أرافق زوجي في زيارات عائلية ولا أحب زيارات النسوان.

 

زاهر متابعا:

-وكذلك في السفر والتنزه أحب أن ترافقني عائلتي فاصنع بوجودهم قربي ذكرياتي.

 

نارين مقاطعة مرة أخرى:

-أنت تشبهني تماما فيما أحب واشعر وكأنك تتحدث بلساني وتعبر عن مشاعري...!.

 

   

زاهر وكأنه لم يسمعها:

-أحب البساطة، التواضع، أحب أهلي، ووفي لأصدقائي... لا أحب الخداع والكذب.. ولا أحب المرأة الضجرة التي تهتم لكلام الناس وقصص النسوان ومشاكلهم... والخطوط الحمراء عندي والتي لا أحب أن تتجاوزها زوجتي هما خطان: الأول هو الأولاد والثاني هو الشرف وبتجاوزهما لا تسامح ولا غفران....؟... وبالنقاش معي تحصلين على كل شيء وبالعناد والتذمر لا تحصلين إلا على الإهمال... لا تقاطعينني أرجوك... لأنني في النهاية فانا ابحث عن الزوجة الصديقة والشريكة وست البيت ومقابل دورها هذا فانا لن أتخلف عن إسعادها بكل الوسائل....!!!.

 

نارين وقد تنفست الصعداء:

-أنا لا اعرف بما أجيب أنا اشعر بحديثك رغم صراحته البليغة بالكثير من الارتياح، بل لقد اطمأننت كثيرا وشعرت بأمان لم اشعر به في حياتي من قبل وكنت خائفة أن تكون ككل شباب هذا البلد، تحب الخروج لوحدك لتتركني وحدي بالبيت أو تحب أن تتزوج لبيتك وأطفالك فقط... كما يفعل الجميع دون اهتمام بزوجاتهم وبمشاعرهم....أنت في الحقيقة قرأت ما في نفسي واشعر وكأنني أعرفك منذ زمن بعيد... أنت خاطبت كل ما أحب في نفسي وكل ما أتمنى... ولا اشعر وأنت تحدثني بان شابا يحدثني لأول مرة... أنا لا اعرف كيف اعبر لك...! لقد أشعرتني بالألفة ولا اشعر بنفسي غريبة عنك أو معك...؟.

 

وقبل أن تنهي كلامها تابع:

-إذا ما من مشكلة اتفقي واهلك وحددوا يوما نزوركم فيه للتعرف على والدك لكي أطلبك رسميا منه وارجوا ألا يتأخر جوابكم.

-أنت مستعجل دائما على ما يبدو...

وهي تضحك تابعت:

-وأنا أيضا لا أحب المماطلة

 

زاهر وقد هم بمغادرتهم:

-ارجوا أن تكوني قد استمتعت وأختك بوقتكم هنا... كما ارجوا إلا أكون قد أزعجتك... أتركك بخير.

 

ثم تابع ساخرا وهو يتجه ثانية إلى داخل المزرعة:

-انظروا الجميع هادئ وصامت هناك، أنهم ينتظرون النهاية بصبر، فليفرحوا إذا بلقائنا إن كان هذا يسعدهم.... سلام...؟.

 

   

***

 

استغرب زاهر وهو يبتعد عنهم داخل مزرعته تسرعه في طلب يدها وهو بالكاد يعرفها...

واخذ يحدث نفسه: (هل هذا أسلوب رجل متعلم ومثقف وعاش بالغرب لأكثر من عشر سنوات...؟ وهل وصل الحد بي أن اقطع العهد مع من لا اعرفه إلا منذ ساعات وهكذا ببساطة في أمر حيوي ومصيري كهذا الأمر... هل جننت...؟.)

 

ثم أردف يعاتب نفسه ويتساءل: (وما نفع التريث والانتظار في هذا البلد... ومع فتيات هذه البلد... لا تأخذ منهم لاحق ولا باطل... ماذا ينفع أن يخطب فتاة لأشهر أو سنوات ويعيش قصة كاذبة معها تزين له نفسها والحياة معها كنعيم ثم يكتشف بعد الزواج على كل مخابئ نفسها... الجيد والسيئ فيها... وما نفع العشرة والمعرفة مع زوجته الأجنبية وانتظار أربع سنوات من الزواج والوفاق والاتفاق قبل أن ينجب أولاده....!. وكيف تبدلت وتغيرت ونكست بالاتفاق والعهد بعد ولادتهم فصار ما صار إليه من حزن وفراق وألم...؟... ما نفع أن يتعرف الإنسان إلى شريك حياته، يسامره ويتواعد معه، إذا كانت -رغم قلة العشرة بسبب العادات والتقاليد-هذه المعرفة أسيرة التمثيل والخداع والكذب... وكيف عليه أن يتعرف عن مكنونات نفس شريكة حياته وان طالت فترة خطوبته معها وقد زوقت بكل أشكال التنميق والإثارة والفتنة...؟. ومن يضمن له صدق مشاعرها وهي لم تعاشره معاشرة الأزواج... فالتعارف والخطوبة شيء والحياة سوية شيء أخر... لا... لا... أنا لم أخطئ... هكذا هي بلدنا ومجتمعنا...؟... الفتاة فيها "كالجوزة" المقفولة لا تعرف ما فيها إلا بعد الزواج مهما طالت الخطبة أو قصرت...؟... والظاهر منها في تربيتها وبيئتها يتكلم عما في داخلها وطالما هي تربت في بيت محافظ ووالدها طبيب ومثقف فكيف -رغم كل عيوبها إن وجدت - لم تأخذ مما يحيط بها بعضا من دماثة الخلق وطيب المعاملة وأدب المعاشرة...؟.)

 

توقف زاهر قليلا يتأمل أشجار الزيتون وقد ناءت بحملها من الثمار وبلا شعور تناول "سيكارة" من علبته وأشعلها... ثم اخذ نفسا عميقا وكأنه يسترجع بعضا من أفكاره المشتتة الضائعة وبدا بترتيبها ثانية منذ البداية، بداية أول نظرة جادة يلقيها على تلك الفتاة... وكما اعتاد بذهنه الإداري والحسابي في ترتيب أمور تجارته أحب زاهر أن يبدأ من الصفر...؟. وكأنه يعشق لأول مرة عاد ثانية بشريط ذاكرته الحديث إلى حيث بدء معها الكلام لأول مرة...؟. فوجد أن تسلسل الأحداث معها كان سليما. وبان لتسرعه في طلب يدها ما يبرره، فهو اخطأ ربما بملاطفتها ودون سابق معرفة. وكذلك أخطا عندما حاول أن يأخذها بذراعه بعيدا عن الأغصان... واخطأ أن يكون هكذا ودودا وبدون سبب من أول لقاء... ولهذا كان عليه أن يبتعد عنها كل الشكوك التي يمكن أن تراودها حوله. وتعيد لنفسه ولشخصيته بعضا من مصداقيتها ونظافة نواياها... ويتيح له -أن هي قبلت بعرضه وخطبت له كما يتمنى- أن يطلعها عن كل مكنونات نفسه الطيبة، مشاعره... زوقه... وكل ما يحب ويكره. وبذلك يكتمل التعارف ويصبح وقد انتهت إليه -كل ما يحول بينه وبينها من حذر في خبر كان-...؟.

 

وهكذا وبينما كان زاهر يبحث عما يبرر تصرفاته مع نارين... كانت هذه الأخيرة تتبادل أطراف الحديث مع هناء حول الموضوع نفسه.

أرأيت؟ قالت نارين مخاطبة هناء ثم تابعت:

-أرأيت كيف كان يحدثني وكأنه يريد أن ينجز عملا ثقيلا ومملا ومن ثم غادرنا هكذا بسرعة إلى مزرعته وأشجاره...؟... الم ترق له الجلسة معي... أم انه هكذا هو جدي لا يحتمل الدعابة... أنا لم يتسنى لي حتى أن انظر إليه لكي أتأمله...؟.

 

هناء مقاطعة:

-ومن منعك من ذلك ؟.

-الم تريه، لم يترك لي الفرصة حتى أن أقول رأيي... كان يصل حديث بأخر دون توقف... كان مستعجل جدا لإنهاء الحديث وكنت أتمنى أن يسألني مثلا عن دراستي... عن حياتي... عما أحب واكره... أن يتحدث عن رأيه بي... إن أنا أعجبته حقا أم لا... هو حتى لم ينظر إلي...؟!... كيف سيعرف أن كنت أناسبه أم لا...؟.

-هو أراد فقط أن يتعرف إليك لأول مرة... ويعرف رأيك بالخطوبة... كل هذا يأتي فيما بعد... ولا تنسي أنني كنت بينكم...!... وربما كان هذا عائقا ليفصح كل واحد منكم عما بنفسه... ومن ثم أنا اعرف خالي فهو إن لم يكن يهتم بك وتعجبينه لما كان تحدث أليك أصلا... فلقد بدا لي مطربا قليلا الم تلاحظي... يبدو بأنك أصبت الهدف....؟.

   

***

 

نارين وقد عاد الهدوء إليها وتكشفت أسارير وجهها عن بعض من انتصار:

-إذا تعتقدين بأنني أعجبته...؟... وبدأت أثير اهتمامه...؟... أنا خائفة إلا يكّن لي نفس المشاعر التي أكنّها له... فانا ولأول مرة بحياتي اشعر بحاجة ماسة أن أبقى بقربه وأحدثه... اشعر بحاجتي إليه... فلقد شعرت وكأنني أخاطب شخصا اعرفه منذ زمن بعيد... فهو ودودا جدا وحنون... أم أنا أتخيل....؟!... لا اعرف يا الهي... قولي لي بالله عليك هل أنا محقة أم هو محض خيال...!.

-أنت هكذا مضطربة دائما وبدون سبب... ومن ثم لديك متسع من الوقت لكي تفكري بكل هذا على روية... من ناحية خالي أنا اعرفه وكوني مطمئنة فهو جاد جدا فيما حدثك به وسترين عندما تتحدثين إليه أكثر وتعاملينه... انه كتلة من المشاعر الصادقة... صدقيني...

ثم تابعت:

-هيا جدتي تنادينا فلنذهب إليها.

 

نارين وبشيء من الاضطراب:

-اذهبي أنت أولا سألاعب السمك قليلا ثم الحق بك.

 

وبينما كانت هناء تغادر المكان كانت نارين تمسح بكلنا يديها على وجهها وأطراف عينيها وكأنها تريد أن تمحو عن عينيها صور متشابكة لأحداث جرت بسرعة ولم تستطع أن تتحكم بها... بعدها أخذت تفرك عينيها وكأنها شعرت بوجود شيء ما تحت جفنيها... وبشيء من العصبية أعادت الكرة... هي ربما حاولت أن تختار الصور الأكثر جمالا والتي التقطتها عينيها منذ لحظات وتريد أن تبعد ما يفسد عليها سعادتها بلقاء كانت تتمناه منذ زمن بعيد... ولهذا كانت تستعيد وبجهد تلك الصور الجميلة وكالقطات الفلاش -عن أول حضور له في ذاكرتها- نظرتها الأولى إليه عندما كان يوضب الحوائج بالسيارة، طوله المميز ببنطاله الجينز... كتفيه العريضين... تسريحة شعره الرزينة، ابتسامته التي كانت لا تفارق شفتيه والتي كانت تغطي المرآة في السيارة... لطافته بتقبل شريط الكاسيت... ومن ثم نظرته الوديعة فيما هو يقترب إليها ولمسته الحنونة التي طوق بها كتفها وهو يجنبها بعيدا عن الأغصان (يا الهي كم كنت حمقاء أن أكون جلفة معه ومقيتة)

ثم تابعت وكأنها تحدث نفسها: (لماذا عاملته هكذا بفظاظة وأبعدت يده عني!... وان لم يكن يتحجج بالأغصان...؟... فهي حجة مليئة بالألفة أن يقترب مني ويلمسني...لابد إذا لهذا السبب كان فيما بعد جديا معي ورسميا ولم يحاول بعدها أن يلاطفني أو بتابع الحديث معي....؟... لابد أن أكون قد جرحته وهو لم يفعل شيئا معيبا قط...!.لا... لا...)

وكأنها استدركت نفسها عن هفوة ارتكبتها تابعت: (لا...لا ...كنت محقة أن أصده هكذا...فانا لست فتاة رخيصة وربما لكان موقفه مني قد تبدل نحو الأسوأ ولفهم قبولي بمعنى أخر ومشين.)

 

ثم تساءلت: ( ولكن ألا يكون الحب هكذا أن يتلامس الحبيبان... وما فعلته لم ينتقص من كرامتي ولا من هيبتي ولا من سمعتي وهناء موجودة بيننا... لا... لا أظن إن ما فعله ينم عن نية سيئة أو يخفي خلفها إي معنى مشبوها...لا ... ليس من شخص كزاهر...واثق من نفسه وفخور بها... لا أظنه يفعل هذا بنية فاقدة للحشمة... لابد وانه تصرف معي هكذا محاولا احتضاني كما يفعل مع أخته أو قريبته ولم يفكر حتى بهذا... بل ربما فعلها بدون شعور...ولكن ماذا لو كان يريد أن يعرف ردة فعلي وفعل هذا قصدا الم يكن من حقي أن أرده وأبعده وأبين له موقفي...؟... وماذا لو تأثر بهذا... وتضايق وشعر وكأنني أصده عن معروف أراده.... لا... مهما كانت أعذاره فانا محقة ومهما كانت خسارتي بان افقد لمساته الحنونة التي تمنيتها فما فعلته هو دفاع عن النفس... وان جرحت مشاعره فليكن فهو المذنب...ولكن إي ذنب...؟... لم يقترف ذنبا قط...؟.)

وبشيء من الضيق تابعت: (يا ألهي لقد بدأت أضيع بزحمة هذه الأفكار اللعينة... وهذه الصور التي اكرهها لا تزال تقتحم خيالي مبعدة الأجمل منها نحو الخلف...)

وبشيء من الشرود وكأنها تحدث نفسها: (سأعرف موقفه مني بعد قليل... لازال الوقت باكرا لكي احكم على نفسي من أول لقاء... وأنا رغم كل هذا لم افعل شيئا مشينا ويجب أن أكون راضية عن كل ما حدث فهو لم يحدث إلا بنية طيبة وحنان كبير....!.)

 

***

 

وفيما كانت هكذا شاردة مع أفكارها تفرك جفونها شعرت بمن يجذبها من ساعديها كل من جانبه وكمن يريد أن يستكشف سر هذه الحركات المهلكة للجفون... تناهى إلى سمعها صوت الطفلين عامر ونادر يسألونها إن كانت تشعر بما يضايقها... وبصوت واحد كما تعودا دائما أن يخاطباها وألفاظ تشوبها لكنة ناعمة فيها شيء من الموسيقى الحارة:

-نارين هل تلعبين معنا ؟.

 

وفجأة وكما لو أن الفرج قد أتى من حيث لم تتوقعه وبسرعة فائقة التقطتهما بكلتا يديها وهي تضحك وتقول:

-لقد أمسكت بكما لن تهربوا مني هذه المرة.

 

وبينما هما يصارعانها للفكاك من قبضتها قفزت إلى مخيلتها صور مذهلة لأحداث عايشتها وتركن في مكان ما من ذاكرتها الغضة وترفض الحضور... مما زاد من توترها فشدتهما بساعديها أكثر وهي تحاول احتضانهما وكأنها تريد استسلامهما لها بأي ثمن... وبدا عليها وكأنها تعصر أفكارها العنيدة لصور تريدها أن تكون حاضرة هاهنا وتحت الطلب...!!! أغمضت عينيها بشدة حتى بدت وكأنها داخلة في غيبوبة طارئة ومقصودة... فلقد ساد صمت رهيب حولها حتى لكادت تسمع من جوانبها قلبي الطفلين الصغيرين تخفق بسرعة في حين كانت هي تتلمس من انقشاع الصور السريعة التي حلت في خيالها عن جواب !!!...لتجد نفسها في الحديقة الواسعة الغناء تنازع الحمامتين حضورهما...!!!؟.

 

يا الهي صرخت نارين فجأة:

-انه الحلم...انه حلمي... الحديقة... الحمامتين... الطفلين...!!!...

ثم تابعت وكأنها وجدت ضالتها بعد بحث وعناء طويل وأخذت تعض كل من عامر ونادر في كتفيهما مداعبة وقد بدا شعاع من الفرح يغمر وجهها وهي تقول: 

-سأكلكما بأسناني... هيا... هيا لنلعب...!.

 

وما أن افلتا من قبضتها راكضين حتى سعت خلفهما كطفلة صغيرة يملأ قلبها السرور والرضا وأخذت تصيح:

-أنا آتية سأمسك بكما...؟؟؟.

 

كانت نارين تعيش لحظات من البهجة العارمة وهي تلاعب عامر ونادر ودونما أدنى اهتمام لما يجري حولها كانت ربما تبحث عن لحظات ضائعة من طفولتها البريئة التي افتقدتها... أو لعلها وبدون أن تشعر وجدت نفسها بين أخويها...أو ربما تحاول بشكل أو بأخر أن تكافئ نفسها عن أشياء قد قامت بها وحسبتها في غير محلها...؟ وكانت في تصرفاتها تلك محل اهتمام زاهر ووالدته اللذان لم ينفكا يتتبعانها بشيء من الذهول مما دعا زاهر إلى التعليق وقد بدا على وجهه ابتسامة مليئة بالوجل والحبور:

-يا الهي أنها طفلة ولعوب... هل تعتقدين بأنها قادرة على إدارة المنزل ومساعدتي في تربية الأولاد...؟.

 

   

***

 

-على الأقل هي تفعل ما يحلو لها دون خجل أو تمثيل وهي خير من اللواتي يظهرن كياستهن وهن لا أكثر من الشياطين في لباس الملائكة... أنا هكذا كنت مثلها في سنها العب مع والدك حتى نتعب ويكفي أنها تحبهم على ما يبدو...!؟.

-وهل يكفي أن تلعب معهم لكي تؤكدين محبتها لهم.

-إن هي حقا لا تحبهم فهم على الأقل يحبونها وفرحين بها وهذا ما لم تجده عند كل من خطبتهم قبلها أليس كذلك...؟.

-في هذا الأمر أنت محقة... ولا اعرف يبدو أنها سحرتهم بلطافتها... كما هي فعلت معي دون كلفة أو مواربة !.

 

ثم تابع وهو يحدث نفسه: (لا اعرف لماذا اشعر بالارتياح إليها...هل يا ترى أوقعتني في حبائلها عن غير قصد...!... وهل هي ماهرة إلى درجة أن تخطف اهتمامي واهتمام ولدي بها...؟... أم إنني وإياهم ضعاف لدرجة إننا وقعنا في هيامها دون أدنى مقاومة !!!.)

 

ثم استطرد وقد شعر بالحرارة تغمر بدنه وتغسله بقطرات من العرق شعر بها تنزلق من تحت إبطه حتى ساعديه: (لهذا إذا أنا ملت إليها بسهولة وشعرت بالألفة نحوها دون أدنى تردد...!... إحساسي بأنها مدعاة للثقة وقد استسلم أهم ما عندي لها بدون تردد هذا إذا سبب أطمأناني لها وسبب جاذبيتها الطارئة التي كنت ابحث عن تفسير لها دون هوادة...!.)

وقد أرضى نفسه بهذا التحليل وبدا يستعيد حيويته وانتباهه إلى والدته التي لاحظت شروده تابع وبصوت مسموع:

-يبدو أنها نجحت بامتحانها الأول والاهم وارجوا من الله أن كانت خيرا لي ولعائلتي أن يتمم علينا بالخير.

 

والدته وبشيء من الفرح وكأنها تنتظر جوابه بفارغ الصبر:

-انه كذلك سوف ترى كم ستسعد بفتاة مثلها طبيعية وصادقة ومن عائلة محترمة...!.

 

ثم استلت وهي تصرخ بأعلى صوتها:

-نارين... عامر... نادر... تعالوا...

 

وما هي إلا لحظات حتى وصل عامر ونادر وقد بدئا بالمنافسة لاحتجاز مكانيهما المعتاد في حضن والدهم فيما وصلت نارين وهي تلهث من التعب وقد بدا عليها الإعياء والخجل وبدأت موجهة الحديث إلى زاهر وكأنها تعرفه منذ زمن وبدون أي كلفة:

-أنهم يمتازون بروح الفكاهة والذكاء وبنشاط غير عادي... لم أتوقع أن يتغلبوا علي ويخدعونني بسهولة وأنا كنت اعتبر نفسي خير من يلعب "الغميضة" وينتصر بها...؟... يا الهي لقد أتعبوني...؟...

ثم تابعت وهي تأخذ كرسيا لتجلس عليه وتحاول أن تمسح العرق عن وجهها:

-أنهم لا ينخدعون بسهولة وصعب السيطرة عليهم...!... وهي توجه الحديث إليهم:

-سأتغلب عليكم بالمرة القادمة، سوف ترون، فانا لا استسلم بسهولة...؟.

 

***

   

الجدة وهي فرحة:

-لم تتذوقي الفاكهة ولم أراك بما فيه الكفاية أو أتحدث إليك ولقد اشتقت لحديثك... اخبريني الآن كيف وجدت زاهر...؟ هل أعجبك ؟.

 

نارين وقد أصيبت بالحرج:

-اسأليه هو إن أنا أعجبته... يبدو بأنه يطمح لفتاة أكثر هدوء !.

 

-هو يحب اللعب أكثر منك، ربما انه يخجل منك ليبدو صامتا ورزينا هكذا... قريبا ستتعرفين إليه وتتفاجئي...؟.

 

زاهر وقد تضايق من صراحة والدته:

-إنها تبالغ... وأنا معجب بطبيعتك الاجتماعية وروحك المرحة وثقتك بالنفس... فهي حقا ملفتة للنظر....؟.

 

نارين وبشيء من الخبث وهي تبتسم:

-لا تتفاءل كثيرا فانا قادرة على الإزعاج...

تابعت وكأنها تريد أن تدرك حماقة تفوهت بها:

-لا... لا... أنا امزح، أنا بنت مهذبة وحبابة وتجيد أعمال المنزل واطبخ أصعب الأكلات حتى لأنك ستهرب سريعا إلى المطعم... أو تبقى جائعا صائما طوال النهار...!...

ثم استطردت وبشيء من الفكاهة:

-امزح...امزح... أرجو انك ستحتمل دعابتي ومزاحي.

 

زاهر وبشيء من الجدية:

-لا يهم فانا أصلا لا اهتم لكل هذا... الأهم عندي هي المعاملة الطيبة واللسان الحلو...؟.

ثم تابع

-لا تخافي أتحمل المزاح واستذوقه...!.

 

الجدة وقد شعرت بان نارين تسرع كثيرا في إظهار كل ما لديها من الألفة:

-وهل اتفقتم على موعد لزيارة اهلك...؟.

-سأخبر والدي هذا المساء لكي نحدد موعدا للزيارة، لان والدي كثير الانشغال خاصة وان أختي الصغيرة يعاودها المرض باستمرار.

-على خير... انظروا لقد غابت الشمس هلا ضببتم الحوائج قبل أن تهبط العتمة...

 

وهي توجه الحديث لزاهر:

-ما رأيك...؟.

-اجل ...اجل، فانا جاهز في كل وقت.

 

***

 

وبينما راح كل من جهته يوضب حوائجه ويحملها إلى السيارة كان زاهر يتفقد مزرعته كالعادة ويرتب الكراسي ويجمع الأغراض المتناثرة المنسية... وما هي إلا لحظات حتى كان الجميع قد صعد السيارة وقد أصبح الجميع جاهزون للعودة... وما أن وصل زاهر أمام سيارته حتى وجد نارين وهناء يتبادلان أطراف الحديث وباقترابه منهن دعته هناء بإشارة من يدها وكأنها تريد أن تهمس بأمر مهم. اقترب زاهر محييا وبابتسامته المعتادة خاطب نارين مازحا:

-أرجو أن تعيدي زيارتك لنا... هذا إذا راقت لك... لا... أحب أن أقول بأنني انتظر موافقة أباك بفارغ الصبر فلا تتأخري بالإجابة علينا.

هناء تأخذ المبادرة بالجواب:

-هذا ما أحببت أن أخبرك به، ما رأيك بيوم الاثنين القادم... فوالدها لا يعمل بعد الظهيرة، فقد يكون مناسبا لكما...؟.

 

نارين وبشيء من التمني:

-ارجوا ألا تكون مشغولا...!.

-إي بعد يومين، ثم تابع... ليس لدي ما يشغلني أهم منك، فانا جاهز.

 

نارين وقد فرحت بجوابه:

-أهلا وسهلا يسرني أن استقبلك في بيتنا ونتعرف على والدي وعائلتي... ثم تابعت وكأنها تريد أن تبعد كل حرج لجراءتها، أنهم ينتظروننا هل نرحل...؟.

 

زاهر وهو يغلق الباب: هيا لقد أظلمت الدنيا...هيا...

 

أدار زاهر المحرك وأضاء أضواء السيارة ومن ثم أشعل جهاز التسجيل لتنبعث منه الموسيقى وكما هي الحال عند قدومهم...! وبدأت السيارة تزحف في الطريق الضيق المظلل بأشجار السنديان كالأفعى في ظلمة ظاهرة وهي تتسابق مع الصخب المنبعث منها... حتى وصلت أطراف المدينة حيث طلبت هناء أن يتوقف ليس بعيدا من الشارع العريض المقابل حيث تقطن نارين.

 

وكم كانت مفاجئة زاهر كبيرة ألا يكون مسكنها بعيدا عن مزرعته... فلم يتوانى عن التعليق وقد أوقف سيارته أمام منزلها وهم بفتح الباب:

-إنني أمر من هنا في كل يوم تقريبا ولن يكون من العسير علي اصطحابك إذا شئت... تحياتي لوالدك.

نارين وهي تقفز من السيارة برفقة أختها وهي تبتسم:

-إلى اللقاء

وهي تلوح بيدها:

- "باي"..."باي".

----------------------------------------------------------------------------------------

نهاية الفصل الخامس مع تحيات المؤلف: يحيى الصوفي، جنيف في 17 / 02 / 2004

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 

 

 

 

 

بدأت الكتابة في هذه الرواية في 25 / 8 / 1998

وانتهيت منها في 25 / 11 / 1998

وبدأت بطبعها ووضعها على صفحات موقع المحيط في 25 / 10 / 2003

كل فصل حسب تاريخ طبعه،

وقد كتبت هذه الرواية من محض الخيال وليس لشخوصها أي رابط

مع ما يمكن أن تتشابه به في الحياة ولذلك وجب التنويه.

 

         

إضافة تعليق

الصفحة الرئيسية | الرواية | القصة | المسرح | الشعر | الخاطرة | أدب الرسائل | المقالة | حكايات آية

للاتصال بنا

Genève - Suisse جنيف - سويسرا © 2020 Almouhytte حقوق النشر محفوظة لموقع المحيط للأدب