أصدقاء القصة السورية  

الصفحة الرئيسية / خريطة الموقع / بحث / ضيوفنا / الكاتب / سجل الزوار / الثورة السورية 2011

 

 

 

 / أغاني وأشعار لآية / أعياد ميلاد آية / صور آية / الكتاب الذهبي

الرواية / القصة / المسرح / الشعر / الخاطرة / أدب الرسائل / المقالة / حكايات آية

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 08-08-10

       

نارين   (الحب الضائع)

       

ذكريات

       

رواية بقلم: يحيى الصوفي

الجزء الأول: الفصّل الرابع

لقراءة التعليقات

  تحذير: هذه النصوص تخضع لقانون الحماية الفكرية ونحذر من نشرها في أي وسيلة إعلامية  دون اخذ إذن خاص من صاحب العلاقة.

 

 

 

 

 

ذكريات

 

كانت الشمس قد بدأت تعطي شيئا من الظلال للأشجار الباسقة المنتصبة على طول الشارع العريض المقابل لشقة الدكتور "شلهوب"... حيث نسمات الهواء الغربي الرطب تضفي على هذا اليوم الدافئ من أوائل تموز بعض من الانتعاش والسرور على ملامح نارين التي كانت تقف وقد أسندت ذراعيها على طرف الشرفة بالطابق الثالث وهي تترقب الشارع بشيء من التأمل !... تتفحص المارة كمن يبحث عن شخص ما تتمنى أن تراه... وتراقب السيارات العابرة وكأنها على موعد. وفي زحمة الأفكار التي بدأت تراودها حول ردة فعل والدها وخالتها للاستعدادات التي قامت بها وإخوتيها بمناسبة عودتهم من المستشفى مع المولودة الجديدة...أختها الصغيرة... كانت تقفز إلى مخيلتها بعضا من ذكريات الطفولة الضائعة، حيث كانت وفي مثل هذا الوقت ومثل هذه الأيام الدافئة من كل عام تنزل إلى الشارع وأخويها التوأمين جمال ولولا ليلعبا "بالبيتناج" وهم ينزلقون يمينا ويسارا على طول الشارع الذي عادة ما يكون خاليا في مثل هذه الساعة من النهار... وكم كانت متعتها لا تفوقها متعة وهي تثير أنظار العابرين -على قلتهم- في مهارتها بالانزلاق... تنهدت نارين وهي تتذكر وبدأت تحدث نفسها:

(أين أنت الآن يا أخي العزيز "جمال"... وماذا تفعلين الآن يا أختي الحبيبة "لولا".... كيف تنامون ؟... كيف تأكلون ؟... ومع من تتحدثون وتلعبون ؟... هل لازلتم يا ترى كما تركتمونا تمتازون بالمرح والطرافة والنكتة ؟... والمقالب المضحكة... وهذه "الفيراندا"... وهذا الشارع ؟... والبقال ؟... أنسيت البقال يا "جمال"؟... البقال "فرحان" حيث كانت والدتنا ترسلك لشراء بعض حاجيات المنزل فكنت لا تعود إلا بمقلب !... نعم كنت تعود بمقلب يضحكنا ولا يعود عليك إلا بالشتيمة والضرب من أباك !... أتراك كنت تفعل مقالبك قصدا منك أم أنت حقا معتوه ؟!... أم هو الذكاء الفائق يتفجر شلالا من الحركات والتصرفات المؤذية المشينة !... أتتذكر يا ترى كيف أحضرت صفد البيض فارغا إلا من قشوره من عند البقال !... وعندما سألك والدك عنهم ادعيت بأن البقال أعطاك إياهم هكذا !... يا لعقلك الساذج !... وبعد الصفعة الأولى أقريت بأنك فقدت ما بداخلهم من صفار البيض وأنت تلعب بهم على الطريق ؟!... )

وهي تضحك... ( كم أنت غبي يا "جمال"...! كيف خطرت لك تلك الخاطرة بان تجمع أولاد الحي حولك لتريهم بأن هناك "صوصا" يتحرك في كل بيضة بعد ان أفرغتها مما في جوفها وأدخلت إصبعك بداخلها من الخلف لتلعب تلك اللعبة البهلوانية ولأي سبب ؟... الم تفكر بالنتيجة يا ترى !... أم أن ذهنك الصغير كان مشغولا بأشياء أخرى كثيرة وكثيرة جدا يدفعك لهذا الشرود وهذا التمرد ؟!... اهو يا ترى أسلوبك للاعتراض على معاملة أباك القاسية لوالدتنا من شتيمة وضرب !... اذكر بأنك كنت تتأثر كثيرا برؤيتهما يتشاجران باستمرار... وكان هذا يسبب لك في أحيانا كثيرة الامتعاض والحزن !... ربما كنت اصغر من أن تتعود على هذه السيمفونية البغيضة التي اعتدنا عليها نحن الأكبر سنا... حتى لأننا فقدنا الإحساس بها عندما تعزف؟! ... وسباق الدراجات ؟!... اجل أنسيت كم كنا -وعلى طول هذا الشارع- نتسابق على الدراجات ولا نمل !... وعندما كنا نتعب كنا نتوقف لشرب الكولا أو تناول المثلجات... تراك لازلت على عادتك تشرب الكولا مع الطعام لابد أن تكون الكولا لذيذة أكثر عندكم في ألمانيا من هنا، فهي على الأقل أصلية ولا تزعجك بغازاتها "المفرقعة" وطعمها كالسكر المحروق ؟!... آه كم اشتقت إليك والى "لولا"... أنت أخي الوحيد تذهب رغم صغر سنك لتستوطن الغربة وتنسى أختك التي تحبك وتحب اللعب معك، بل أكثر... أن تمشي بقربك مزهوة بان لها أخا ككل الأخريات من أصدقائي ؟.

 

***

 

وأنت يا "لولا" هل لازلت كما كنت بابتسامتك الرائعة ونظراتك الفاتنة الساحرة ورقة قلبك... وهل أنت سعيدة حيث أنت، كم افتقدتك وأخاك... وكم أشعر بالغربة والحزن هاهنا مع أخوتي ووالدي وخالتي وفي بلدي وبين أصدقائي !... ولا أعرف إن كنت سأحسدكم على بقائكم بعيدين عنا... أم اطلب لكم العزاء... لا أعرف... لا أعرف ؟!...

 

كل ما أعرفه بأنكم رغم افتقادكم لنا وحنينكم لوجودنا قربكم لا تشعرون بالغربة كما اشعر بها وأخوتي هنا، حيث كنتم قد تولعتم بحاضنتكم وزوجها "شلوتر" رغم امتعاض والدتي منهم وكرهها ألا محدود لهم لأنهم أخذوكم منها كما تدعي ؟!!!.

 

أظن بأنكم تستمتعون بوقتكم برفقتهم. خاصة وإنكم عندما عدتم... عدتم إلى الوطن الذي ولدتم فيه وأمضيتم السنين السبعة الأولى من طفولتكم فيه، فكيف إذا ستتضايقون وتضجرون وانتم في كل الأحوال وكما السابق رهن هذه العائلة الرزينة... ومنذ ولادتكم... اجل منذ ولادتكم... فلقد كان والديكم وعندما سمعا خبر استيطانكم في الرحم رافضين قطعا أن تروا النور ورغم محاولاتهم التعيسة بان يتخلصوا منكم وانتم لازلتم نطفة !... خاصة محاولاتهم للسفر إلى "بولونيا" حيث القوانين لا تعارض ذلك كما هي الحال في "ألمانيا" ؟!... انتصرتم رغما عنهم... وأبصرتم النور بعد أن اقنع العم "شلوتر" وزوجته والديكم بالعناية بكم وتبنيكم أن هم ليسوا مستعدين لذلك ؟!!!... أو يا ترى ألم يهتز لصرختكم الأولى وانتم تخرجون إلى هذا العالم الظالم ؟!...الم يهتز لوالديكم إي من مشاعر الفرح ؟!... الم تستجب لصراخكم البائسة البريئة إي رحمة ؟!... أو شفقة...أو إنسانية ؟!... وكيف هي والدتكم أرضعتكم من ثدييها كل هذا الحليب المفعم بالدفء لم يردعها على أن تمضي قدما في مشروعها بان تترككم بين أيدي الغرباء ليعتنوا بكم !!!؟؟... أم هو التحدي المليء بالبغضاء والكبرياء هذا الذي استحكم بها وبوالدكم... وكمن يعض كل واحد منهما إصبع الأخر حتى يدفعه إلى الاستسلام !... تحملوا كل هذا الألم بالاستمرار بلعبتهم دون أن يصرخوا أو ترف لهم أي جفن من الحياء ؟!... هذا ما يسمونه الكره يا الهي ؟!... هذا ما يسمونه البغض ؟... هذا هو التحدي والانتقام !... يعجز أي قلب بشر ومهما كان خسيسا في هذا الكون من أن يصدق !...)

وقد عاد إليها بعض الهدوء تابعت: (أعرف بأنكم رغم سعادتكم باستعادتكم لحريتكم... بالعودة إلى وطنكم... إلى الهدوء... تشعرون ببعض الامتعاض وربما الحقد...!... أن تكونا ها هناك لوحدكم دوننا وبلا سبب...!... أم إن لكم وبعد السنين الستة التي مضت باغترابكم سببا تعزون إليه كل آلامكم... وبه تداوون جروحكم التي لم تندمل بعد...!... آه كم أنا حزينة وأشفق عليكم... فأنا في كل صلاة لي أدعو لكم بان يحميكم الله ويوفقكم ويسعدكم !.)

 

وقد بدا عليها شيء من التعب وكأنها دخلت في غيبوبة باتت تتمتم لهم بالدعاء وقد اغرورقت عينتاها بالدموع وخيل إليها وهي تنظف أنفها من غير شعور بطرف كمها وكأن أخويها يلوحان لها من طرف الشارع وهما يصيحان... "نارين"..."نارين"...هي..."نارين" فلم تتمالك نفسها -وقد أصابتها قشعريرة عابرة وشعرت لأول مرة في حياتها وكأن شعرها قد انتصب- من الصراخ..."جمال"..."لولا"... وبصراخها ذاك انتبهت إلى نفسها وأخذت تتلفت حولها يمينا ويسارا خوفا من أن يكون أحدا ما قد رآها !... وحمدت الله وأخذت تقرأ مستعيذة... قل أعوز برب الناس... وتمسح بيديها على وجهها وصدرها... وهي تهمس ... لا ... إلا الجنون... هذا أبعد من أن أتصور نفسي فيه... ثم توجهت إلى المغسلة لتغسل وجهها وترتب شعرها... عندما سمعت الباب يفتح ويطل منه والدها وهو يحمل الطفلة الوليدة وخلفه زوجته ووالدتها وأختها الكبرى رغد !... فهللت فرحة وهي تطالب بإصرار أن تحمل أختها لتراها... في حين كان والدها يصر بان تراها من بعيد خوفا من التقاط إي مرض كان فهي لازالت صغيرة...وهشة وفيما سعى الجميع لتامين الراحة لخالتها والمولودة الجديدة جذبت نارين أختها رغد من طرف ثوبها وهي تقول:

-لقد كنت بانتظاركم على الشرفة ... هل رأيتموني؟؟؟.

-لا ؟!...

- الحمد لله وهي تبتسم...

وباستغراب أجابتها رغد:

-لماذا ؟... ماذا هناك؟

- لاشيء... لاشيء.

-تعالي خلفي إلى الغرفة لنتحدث

لحقت نارين أختها رغد إلى غرفتها كهرة صغيرة تتبع والدتها... وما أن دخلتا الغرفة وأغلقا الباب كالعادة حتى بادرت رغد أختها نارين السؤال عن حالتها المزرية التي رأتها فيها... ولم تتجرأ نارين من الخوض في الحديث عن ذكرياتها وتأثرها بها... بل جرت نحو المرآة لتكمل زينتها وهي تقول:

-كيف تمت الأمور بالمستشفى ؟... ولماذا تأخرتم هكذا ؟. 

 

***

   

رغد وهي تخلع معطفها:

-على أحسن حال، لقد انتظرنا الطبيبة حتى تتمم إجراءات خروجها ومعاينتها والطفلة قبل العودة إلى المنزل... ثم تابعت كيف جرت الأمور بالبيت ؟... هل أصبح كل شيء جاهز لاستقبال الضيوف والمهنئين هذا المساء ومن ثم أنت لم تجيبي... ما بك ؟... لقد بدوت وكأنك كنت على عراك مع احد... هه ما الأمر ؟.

 

نارين وهي تضحك:

-كنت أتعارك مع نفسي...! ... ألا تعرفينني... أتضايق بدون سبب !.

 

ثم أردفت بعد لحظة من الصمت:

-كنت أفكر إذا ما كان والدك قد أعجبه طبخي ؟... فهو لم يعلق كعادته ؟!... وأنت تعرفين بأن طباعه وذوقه صعب جدا على الطعام ؟... ولا أخفي عليك بأنني كنت أرتجف وبعد كل لقمة يضعها في فمه وأنتظر بين لحظة وأخرى تعليقه المعتاد... ولكنه لم يفعل هذه المرة ؟!.

وبشيء من المرارة تابعت: ليته فعل لأنني بقيت طيلة الوقت وحتى مغادرته المنزل قلقة من أن يفاجئني بالتأنيب المعتاد !... لقد تعذبت أكثر بانتظاري أن يفعل... وسبب لي القلق والتوتر... وهو أقسى من أن يقول رأيه مباشرة...هه وأنت ما رأيك ؟.

 

-انه لذيذ كما تفعلينه... باستمرار طعامك لذيذ ولا ينقصه شيء... أنت فقط كثيرة التذمر والخوف... وفي كل الأحوال أنت من يدفعه إلى التعليق على طعامك لكثرة تفوهك بالحماقات ... مثل أكلي ليس ناجح... ناقص ملح... كان طيب ولكن نزعته بعد إن أضفت عليه كذا وكذا... وهكذا فأنت تنبيهيه إلى أشياء لم يكن لينتبه إليها أبدا... كم أنت غبية... ومن ثم هو كان شارد الذهن اليوم لأنه على موعد لإحضار خالتك ولهذا ربما لم يستطعم بطعامك !...

وهي تهزأ تابعت:

-اطمئني أخيرا هو مشغول البال ولم يفطن بك ليؤنبك إذا أردت !.

 

-لا... ولكن أنت تعلمين بأنني أحاول قدر المستطاع أن أرضيه واعمل المستحيل لكي يشعر بأنني لا أجيد التذمر فحسب بل لي حسناتي كذلك. فانا أجيد العناية به وبأخوتي وارتب له غرفة نومه وأنظف الحمام والمطبخ كما يجب... واطبخ... واقلق لراحته ساعة ينام... أتراه لم يشعر بكل هذا... الم يشعر بان لديه فتاة ماهرة وست بيت وتستطيع العناية به وتحبه...

 

***

رغد مستغربة:

-وتحبينه ؟.

-اجل... أحبه وهل هناك من فتاة لا تحب أباها... وأسعى دائما لإرضائه !... ولكن هو لا يهتم بتاتا لكل ما أقوم به لأجله... هو أصلا لا يشعر بوجودي بتاتا... وألا لقالها تلك الكلمة السحرية الحلوة التي يتمناها كل إنسان بعد إنجازه عمل ما !...  مثل "يسلموا ها الديات"، طعامك لذيذ، أنت بنت شاطرة، الله يرضى عليك... الخ الخ الخ بدلا من التذمر باستمرار ولا يعجبه العجب !.

-ربما يستحي أن يقول هذه الكلمة السحرية.

وبشيء من السخرية تابعت:

-هو حتى لم يكن ليقولها لوالدتك حتى ليقولها لك.

-لماذا يا ترى؟... لم يتعود على الكلام الجميل ككل الناس ؟... لماذا لا يلاطفنا ويلاعبنا ككل الآباء ؟... هو معقد يا ترى ؟!... أم انه بلا مشاعر ؟!.

-بل قولي ربما هو لا يقولها لأنه يعتقد بأنه يدفع ثمنها... وككل من يدفع ثمن طعامه ولباسه والعناية به... فهو لا يجد نفسه مضطرا لان يضيف عليها كلمات الشكر... ومن ثم أنت تهتمين لأمره كثيرا على غير عادتك ؟!...

-كيف لا... فهو أباك ولقد قلت فهو يدفع الثمن، ثمن العناية بملبسنا ومأكلنا هذا بالإضافة إلى إنني بدأت اشعر به أكثر خلال فترة غياب خالتي عن البيت... أحسست به أكثر لطفا !...

وقد بدا عليها الاهتمام لما تقول أضافت:

-هل هي محاولة ليكفر عن غضبه علينا خلال وجودها... هل شعر يا ترى بأنه كان ظالما معنا ؟... وأراد بلطفه ذاك أن يرسل لنا إشارة ما ينبهنا بها عن محبته لنا واهتمامه لأمرنا !.

ثم تابعت وقد بدا عليها الحزن:

-ولماذا يا ترى هو عاجز دائما عن الكلام، عن البوح عما في داخله إلينا لنقف إلى جانبه وندعمه في معاناته... أنا اشعر به من داخلي بأنه ليس سعيدا بما يكفي معها. أم تراه يفعل ما يفعله معنا من سوء ليرضي به تذمرها ويدفع عنه وعنا غضبها... لماذا لا يحدثنا ؟... لماذا لا يبوح بما يشعر به ؟... لنعذره ونسامحه وناسف له ونحبه... لماذا ؟.  

 

رغد وقد شعرت بان أختها قد أصابت في كلامها صميم المشكلة وهي محقة:

-الله... الله... لقد أصبحت شاعرة يا أختي الصغيرة...أتعرفين إنني أتفاجأ في بعض الأحيان بك !... وبأفكارك... وبشيء من الزهو تابعت: أنت واعية وذكية، كيف تتوصلين إلى هذه النتائج... لابد انك تتمتعين بإحساس مرهف جدا... ولكن رغم تفاؤلك بمحبة أباك لنا وكتمان كل هذا عنا فانا أرى بان والدك ليس بالسهولة لكي تقحمي ما يكن ويضمر بنفسه فهو كالأحجية المغلقة بعدد شعر راسك... وكلما استطعت أن تفتحي واحدة منها لتقرئي عما بداخلها تجدين أخرى... وهكذا ستتعبين وأنت تتعقبين الحقيقة المحضة والممنوعة في نفسه... وقد تشيخين وهو لا يزال في ريعان الشباب !... وقد تهلكين وأنت تجرين خلفه وهو ممدد يحتسي العصير !...  انه صلب كالحجر... بل هو حجر وعندما خلقه الله خلق به الروح ليتحرك ولكن منع عنه كل المشاعر... ولذلك فهو لا يحب أحدا... لا يحب إلا نفسه !!!؟؟؟.

-يا الهي خلتك ستشجعينني على اهتمامي به وستناصرينني على تحليلي للطفه الأخير وهدوءه الغير معتاد... ولم أكن أتصور بأنك ستشبهينه وترسمينه لي كوحش !.

-أنا لم اقل هذا، بل وأنت تعرفين أكثر من غيرك بان أباك فاقد للمشاعر ومشغول دائما عنا وعن غيرنا ولا يحب إلا نفسه. وان هو حاول اطمئناننا ببعض من لطافته وبأنه يحبنا ويهتم لأمرنا فما ذلك بالنسبة له أكثر من أسلوب يعتمده في حياته مع الجميع ولكن... (وهي تكز على أسنانها)...بلا مشاعر !.

 

***

 

 

نارين بشيء من العصبية وكأنها أرادت أن تدافع عن مشاعرها واكتشافها الجديد بأبيها:

-لماذا لا تقولي بأنه يحبنا بكل جوارحه وبأنه يكن لنا ككل الآباء كل حنان. ويخاف علينا ويهتم بمستقبلنا ويكره أن يؤنبنا أو يشتمنا أو يضربنا وان هو فعل هذا أمام خالتي فلكي يقي غيظها ويخفف من غضبها... ولهذا فهو هادئ خلال غيابها... أليس هذا صحيحا ؟.  

-كما تريدين... ولكن لو كان كذلك لكان حدثنا بالأمر على انفراد حتى لا نغضب منه !.

-لا أظن يستطيع ذلك وهو يعرفنا تمام المعرفة بأننا ننقل كل ما يدور داخل هذا البيت إلى والدتك. وهو يعرف بأنه لا يريد أن يفرحها بتمثيله لدور الأب الذي لا يحب زوجته ويتآمر مع أولاده عليها !. وقد تصل عن طريقها الفتنة وتملئ بالوشاية قلب خالتك بالغيظ، وهو لا يريد أن يفتح بابا لتعاسته !.

-قد يكون كذلك ولكن لو علمنا على محبته وصدق مشاعره معنا لكنا تعاونا معه واحتفظنا بأسراره ؟.

-أنت تعرفين بان أباك يخاف منا ولذلك فهو لا يأتمن لنا... ولا تنسي بأننا وخلال سنتين من زواجه بخالتك كنا شركاء لوالدتك في كل قلقه... لماذا لا نتصالح معهم ونعمل هدنة ونحاول أن ننسى الماضي ونعيش معهم بسلام.

-أنت طيبة جدا يا حبيبتي... نسيت على ما يبدو كل الآلام التي سببتها لنا... نسيت على ما يبدو إظهارنا وفي كل ساعة ودقيقة أمام أباك بأننا كاذبات... كسولات وبأننا لا نطيقها، أنسيت كيف زرعت الشك في قلب أباك اتجاهنا !... بان لنا علاقات مع الشباب وبأنه إذا ما تأخرنا عن المنزل فلأننا على موعد ما مشبوه مع شخص ما... ولهذا فهو يترصد خطواتنا على غير عادته ويحسب المسافات من البيت إلى المدرسة بالدقيقة والثانية حتى انه لم يتوانى عن ملاحقتنا عن بعد ليتأكد من سلامة سلوكنا... أباك لم يكن هكذا من قبل... لم يكن شكوكا !... وقد كان يثق بنا كل الثقة... لا أظنك نسيت كل هذا وبأنها ستعاود الكرة حتى تستعجل علينا الزواج من إي كان وبأي ثمن حتى نترك لها هذا البيت وبأسرع وقت ممكن !.

-إذا أنا مخطئة إذا اهتممت به وبطعامه ؟!.

-ومع ذلك فأنت لم تنالي الشكر ولم تجني إلا النقد، وربما أنت تستمرين رغم مضايقته لك وعدم إحساسه برضاه عليك... تستمرين في السعي لكسب حبه وعطفه ومودته فقط ... فقط لتشعريه بأنك ممكن أن تكوني بديلة عن زوجته، ربما كنت تحاولين أن تلعبي هذا الدور وتصرين عليه رغم ما تتعرضين له من أذى منه لمجرد رغبتك بلعب دور الزوجة البديلة، وهذا إن صح خطير جدا جدا يا نارين !!!.

وكمن انتبه إلى اكتشاف خطير ومثير تابعت:

-أنبهك يا نارين هذا خطير جدا ويسمونه بعقدة "الكترا" وأباك وبما انه طبيب نفسي ربما انتبه إلى هذا وهو يحاول بتأنيبك وأغاظتك إبعادك عن هذا الدور... حتى لا تستقري به وتتحول حياتك إلى جحيم !!.

 

نارين بقلق:

-ماذا؟!... ماذا؟!... ما هذه عقدة "الكترا" وما هذا الكلام ؟... أنا لا افهم شيئا ؟!.

 

وقبل أن تجيبها سمعت والدها ينادي عليهن:

-هيا الباب يقرع... لقد حضر الضيوف على ما يبدو... نارين... رغد... هيا افتحوا الباب...

ومن خلف الباب وبصوت واحد أجابتا:

-حاضر بابا... حاضر.

   

***

 

خرجت نارين على عجل لتستقبل الضيوف في حين استمرت رغد في تبديل ملابسها... وكم كانت مفاجأة لها أن تجد مع أول ضيوفها صديقته "هناء"

-أهلا... أهلا وسهلا تفضلوا... وهي تفتح باب الصالون على مصراعيه تفضلوا

 

هناء وهي تدخل وتنزع عن رأسها الحجاب:

-كيف الحال ؟... كيف خالتك و"البيبي" ؟... مبروك العروسة الحلوة.   

 

نارين وهي تأخذ "المانطو" من يد هناء:

-بخير والحمد لله تفضلوا.

 

وهكذا وعلى مدى ساعة كانت نارين ورغد يتناوبان في فتح الباب واستقبال الضيوف وتقديم القهوة وتبادل أطراف الحديث على أنواعه... وبين الحين والآخر كانت نارين والتي بدا عليها شديد الاهتمام بهناء تتبادل الإشارات عن بعد وعندما تحين الفرصة لهن يتبادلان بعض الكلمات، فالصالون كان يغص بالضيوف ولهذا لم يتسنى لهن الحديث على انفراد.

وبما أن نارين لا تستطيع أن تصبر دون أن تتحدث بأمورها أشارت على هناء لكي تأتي إليها في المطبخ لمساعدتها... فلم تتأخر هذه الأخيرة باللحاق بها.

وما إن دخلت المطبخ حتى بادرتها القول:

-كيف الحال أنت لم تلبسي الخاتم بعد ؟... ماذا حصل مع العريس ؟.

 

نارين متعمدة عدم فهمها للحديث:

-أي عريس ؟!.

-ذاك الذي حدثتني عنه في السوق.

-آه... ليس هو فقط بل غيره كثير لم ارغب حتى بالتحدث بالأمر!.

-ولكن هذا الأخير الذي حدثتني عنه يبدو مناسبا جدا !.

-كذابون... وهو سمين وقصير وبشع... يا الهي كم هو دميم !... لقد خفت منه عندما رأيته !... وعندما أصرت والدته على تلبيسي "الشوفه" ساعة وخاتم رفضت وقد خرجوا من عندنا كالمطرودين !...

ثم تابعت بشيء من الاستنكار:

-يخرب بيت ها العالم شو كذابين قالوا عنده محل وسيارة وبيت... طلع المحل لأباه وهو يعمل عنده ولا يوجد سيارة والبيت عبارة عن سطح سوف يبنيه بالمستقبل ويريدونني أن أقيم مع والدته وأخوته في بيت واحد ؟!.

   

***

 

ثم استطردت:

-وقالوا عنه شب حلو وأشقر... طلع مثل الضبع. الله يخرب بيت خالتي وأمها المنحوسة كيف بدهن "بدن يدفروني" من هون... والغريب أن أبي يصدق كلامهم ويرضى باستقبال هكذا ناس في بيته ولابنته الصغرى !... هل أنا دميمة ؟... هل أنا مصيبة حتى يبيعني بهذه السهولة ؟!... إنها أفعال خالتي وأمها !!!... وأنا لا أريد أن أغيظك فهم يقربوك ولا أحب أن تتضايقي ولكن ضعي نفسك مكاني ؟!.

-لا باس أنا اهتم بك فقط ولا يهمني غيرك بتاتا. وأنت لا تتزوجي إلا بمن تحبين... ولا تستعجلي أبدا أبدا.

-لا تخافي اعرف ما أريد... هه... ما هي أخبار خالك ؟... أخبرتني صديقتي بأنكم ذهبتم لرؤيتها... كيف وجدتموها ؟.

-في الحقيقة... لا اعرف... لم نعطهم جوابا إلى الآن الأمر بيد خالي... وهو الأساس.

-أتعرفين لقد اتصلت بصديقتي وأخبرتني بزيارتكم وطلبت مني أن اشرح لها كل شيء عنه وأنا في الحقيقة حكيت لها كل شيء.

ثم تابعت ببعض الخبث وكأنها تريد أن تصل إلى مقصد في نفسها:

-وطلبت مني أن أصفه لها، وبما إنني لم أشاهده فلم استطع... أليس لديك صورة له لكي أعطيها إياها !...

-في الحقيقة لا... ولكن تستطيعين أن تريه متى شئت فهو الآن هنا حضر منذ أيام من السفر... وهو يأتي إلينا كل يوم تقريبا ليأخذنا إلى مزرعته لكي نسبح.

نارين تتصنع الإعجاب:

-عنده مسبح في المزرعة وهل مزرعته جميلة ؟...

هناء بشيء من الفخر:

-طبعا فيها فيلا جميلة وحديقة وأشجار فاكهة وهي ليست بعيدة عن هنا إنها في البساتين القريبة خلف الملعب.

-وهل أستطيع أن أتي معكم للسباحة ؟.

-لما لا فهو ظريف ويحب الضيوف... وغالبا ما يأتي معنا الكثير من الأصدقاء وهو يترك لنا المكان لنلعب ونأكل ونسبح على هوانا... فإذا أحببت اتصل بك غدا لأخبرك متى تأتون إلينا حيث يمر إلينا ونصطحبك معنا.

نارين وقد بدا عليها الفرح:

-وهل من مانع إذا اصطحبت أختي الصغرى هند معي ؟.

-أبدا أنا أخبرتك بان خالي يحب الضيوف ويحب الأولاد ومزرعته مليئة دائما بالناس.

-ولكن هل تعتقدين بان أبي يوافق... آه نسيت...

نارين وهي تتصنع الأسى:

-لا أظن ؟!.                           

-إذا أحببت أنا اكلم خالتك بأننا عزمناك وأختك معنا وهي ستحدث أباك.

-صحيح خالتي... إذا الموافقة مضمونه.

وهي تصف الفناجين المغسولة والأطباق:

-شكرا على مساعدتك لي... ولكن متى ؟.

-في القريب العاجل إن شاء الله ربما يوم الجمعة القادم ما رأيك ؟.

نارين وقد على وجهها بعض من علامات الانتصار:

-حسنا لما لا...ونأخذ أغراض السباحة... هل سنسبح ؟.

-إذا أحببت اجل... اجل.

-وخالك يبقى هناك ؟.

-لا ... لا "تاكلي" همه... فالمزرعة كبيرة وهو بالعادة يتخذ لنفسه ركنا بعيد عنا ويسلي نفسه بالمطالعة.

نارين: إذا اتفقنا... وهكذا أستطيع أن أصفه لرفيقتي وبالتفصيل ربما تستعجل باتخاذ القرار.

وفيما هن يتحدثن تدخل والدة هناء وهي تقول:

-هيا لقد تأخر الوقت.

هناء موجه الحديث لنارين:

-إذا وداعا والى اللقاء.

نارين وهي تقبلها مودعة:

-إلى اللقاء... انتظر هاتف منك

هناء وهي تلبس:

-لن أتأخر... مع السلامة. 

---------------------------------------------------------------------------------------

نهاية الفصل الرابع مع تحيات المؤلف: يحيى الصوفي، جنيف في 05 / 11 / 2003

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 

 

 

 

 

بدأت الكتابة في هذه الرواية في 25 / 8 / 1998

وانتهيت منها في 25 / 11 / 1998

وبدأت بطبعها ووضعها على صفحات موقع المحيط في 25 / 10 / 2003

كل فصل حسب تاريخ طبعه،

وقد كتبت هذه الرواية من محض الخيال وليس لشخوصها أي رابط

مع ما يمكن أن تتشابه به في الحياة ولذلك وجب التنويه.

 

         

إضافة تعليق

الصفحة الرئيسية | الرواية | القصة | المسرح | الشعر | الخاطرة | أدب الرسائل | المقالة | حكايات آية

للاتصال بنا

Genève - Suisse جنيف - سويسرا © 2020 Almouhytte حقوق النشر محفوظة لموقع المحيط للأدب